حفلة الديك
حفلة الديك
بحقيبة سفر مليئة بالبطّاريّات الفارغة بدلًا من كفن أبيه، ومنشفة بيضاء ملفوفة حول خصره يمكن أن تسقط في أيّ لحظة، يطارد الشاعر والكاتب الفلسطينيّ نواف رضوان الديك الأحمر العنيد بين حيفا وبرلين، في رحلة غريبة وكارثيّة من المفاصل الملتهبة والأعصاب المتفحّمة.
هذا الكتاب تصوّر لعالم أصيب بالجنون والعته؛ عالم من الأسطح المائلة والأقبية التحتيّة المعتمة للنفس البشريّة، إنّها رحلة مضحكة ومؤذية يتحوّل فيها القارئ إلى شاهد على انحدار الكاتب نحو الجنون والاضطرابات العقليّة المتتالية، حيث تتحوّل الكلمات إلى حبال مشدودة، ويتحوّل الأدب إلى سيرك مضيء من الألعاب الخطرة.
جاء الكتاب في ثلاث حركات، تشكِّل كلّ منها زوبعة قادمة من عالم الأحلام والكوابيس المضيئة، في لغة يتنقّل فيها الكاتب ما بين الشعر والنثر بقفز حرّ ومتواصل، غير معترف بالأشكال الأدبيّة الجامدة.
يتحدّى الكاتب في هذه الحكاية المبعثرة حدود الكتابة المنطقيّة وكلّ ما هو سائد وتقليديّ ومتعارف عليه؛ إنّها حفلة من العبث والسخرية الحادّة والجنون غير المتوقّع والتمرّد الجامح دون قيود، حفلة لاستكشاف الهاوية الإنسانيّة والقفز في حفرها المظلمة، وانتصار للفوضى وكلّ ما لا يمكن توقّعه.
يسير الكاتب جنبًا إلى جنب مع شياطينه المرحة في ساحات عدم اليقين والمآذن المكسورة والفكاهة المغمّسة بالسواد؛ تارة هو خيط يهتزّ في يد خيّاطة نفد صبرها، وتارة أخرى بجعة سوداء مصابة بأزمة هويّة، أو وحيد قرن جالس في مؤتمر للمناخ. إنّها حفلة من الضحك والرعب الخام، يرقص رضوان على إيقاعها بعمود فقريّ من أعواد السباغيتي، وحين يُصاب بالإرهاق والتعب، يكتشف في نهاية المطاف أنّه لا يوجد باب خروج.
استعِدّوا للضحك والانزعاج والخوف واشتعال النار في المدينة، وإطلاق العنان للجنون والتأرجح على حوافّ الخيال والصحّة العقليّة والأسطح المائلة.
إنَّها حفلة الديك… لا تدخلوها، لكي لا تصابوا بِلَوْثَة الجنون.
مقتطفات من الكتاب
لا أعرف من أين، ولكنّني أخرجتُ لها جوازي الإسرائيليّ الكحليّ وناولتُها إيّاه. كان الحبر سائلًا وصورتي مشوّهة، وعلى صفحاته نصوص وخربشات تشبه اليوميّات التي أكتبها بخطّ يدي. لم تكترث، وكذلك أنا لم أقل شيئًا. سجّلتْ البيانات المطلوبة، وقبل أن تطلب منّي التوجّه إلى الغرفة في الطابق الرابع، فتحت الجارور في أسفل الطاولة وأخرجت منه مقصًّا فضيًّا ضخمًا ووضعته أمامي، وقالت بنبرتها الحازمة ذاتها:
- ضع هذا المقصّ تحت المخدّة قبل أن تنام.
لم أفهم مغزى كلامها، سألتُها عن السبب، فأجابت بثقة السلاحف المعمّرة:
- إذا استيقظتَ من نومك في منتصف الليل ورأيتَ الطفلة الصغيرة، اطعنها بهذا المقصّ. لا تصدّق دموعها أو ابتسامتها ولا تُشفِق عليها. اطعنها فور أن تراها. لن تموت إلّا بهذه الطريقة. إن لم تقتلها فسوف تقتلك، تذكّر ذلك جيّدًا.
***
أقول لنفسي مثلًا: ماذا لو أُحرقت جثّتي ووضعوا رمادها في علبة نوتيلا فارغة على الرفّ؟ حين ينام المرء مع امرأة ما، ألا يمكن اعتبار ذلك صلة رحم أيضًا؟ ماذا لو انفتحت السماء ليسقط منها الأموات؟ ماذا لو بدأ الأطفال يتساقطون ويرتطمون بحواف الأشياء؟ ماذا لو كان لديّ مهبل واسع ورحب؟ ربّما سأعلّق على مدخله لمبة جميلة!
ماذا عن أسناني التي ترقص في فمي؟ عن أصابعي التي تلعب في مؤخرة العالم بمهنيّة، عن جدّتي التي عادت من موتها بعد ٥ سنوات فقط وهي تشتم الجميع بغضب، وماذا عن الشجرة الفخورة بنفسها؟ طيّب ماذا عن القلق المستقيم المصاب بثلاثة ديسكات في ظهره، وسرطان الرئة، واللون الرمادي الذي يخبّئ خلفه مقبرة كاملة؟
طلب شْلُومُو هويّاتنا، بينما كان ينظر إلُوهِيم إليّ مرتبكًا، أخرجت هويّتي الزرقاء، وأخرج هو هويّته الخضراء النظيفة.
فتح شْلُومُو الهويّة الزرقاء، حدّق في وجهي قليلًا، ثمّ فتح الهويّة الخضراء وحدّق في ضيفي.
- أنت إلُوهِيم؟
- نعم أنا هو.
إيدك لفوق ووجهك للخيط خَبيبي!
رفعنا أيدينا فورًا، لا مجال لأيّ حركة خاطئة هنا، شْلُومُو غبيّ، لا تعبث معه لأنّه سوف يؤذيك، لا تضع يديك في جيوبك، سوف يجرحك، سوف يطلق عليك الرصاص في مؤخّرتك الطريّة إذا لزم الأمر، شْلُومُو بلطجي وما بيخاف الله.